إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
37347 مشاهدة
باب متى يصح سماع الصغير


باب متى يصح سماع الصغير؟
قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي .


هذه قصة تتعلق بسترة المصلي أو المرور بين يدي المصلي، ابن عباس استدل بها على إقرار الصحابة له، إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- له، ومحلها في كتاب الصلاة، وفي سترة المصلي، وفيما يقطع الصلاة، حيث ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في منى وكان يصلي بأصحابه إحدى الصلوات الخمس، ولم يكن أمامه جدار لكنه عادة كان يأخذ أمامه حربة تسمى العنزة يجعلها سترة له ويكتفي بها.
يصلي إلى جدار فلم يكن يصلي إلى جدار يستره، يقول ابن عباس إنه مر وكان راكبا على حمار أتان -يعني أنثى- ولما مر بين يدي الصف نزل ودخل في الصف وأرسل الأتان ترتع، ولم ينكر ذلك عليه أحد من المصلين؛ استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، ولكن يظهر أنه كان بعيدا أعني: بينه وبين الصف نحو ثلاثة أمتار، أو أربعة وأطلق أنه مر بين يديهم، فهذا هو الأقرب.
وأيضا بوب عليه البخاري في موضع آخر بقوله: باب سترة الإمام سترة لمن خلفه؛ يعني: كأن الإمام لما كان يصلي إلى سترة وإن لم تكن جدارا لكنه حجر أو عنزة أو نحو ذلك صار ذلك سترة لمن خلفه، والكلام على هذا محله كتاب الصلاة.
قال: حدثني محمد بن يوسف قال: حدثنا أبو مسهر قال: حدثني محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي -صلى الله عليه وسلم- مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو .


كأنه أراد بإيراد هذا الحديث تحديد سن التحمل فابن عباس يقول في حديثه: أنه قد ناهز الاحتلام، كان ابن عباس عندما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- عمره ثلاث عشرة سنة؛ لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فيكون ثلاث سنين قبل الهجرة وعشر سنين بعد الهجرة فيكون عمره عند موت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث عشرة سنة، ومع ذلك فإنه حفظ عنه وروى عنه أحاديث مباشرة يعني نقلها عنه.
ومن ذلك هذه القصة قصة أنه مر بين يدي المصلي على تلك الأتان، ومثله هذا الحديث عن محمود بن الربيع أحد أولاد الصحابة، ما يعدونه من الصحابة يعني الذين حملوا الأحاديث، ولكن ذكر أنه عقل النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر أنه عقل من النبي -صلى الله عليه وسلم- مجة مجها في وجهه من دلو كان أو من بئر كانت لهم؛ فمعناه أنه يعد صحابيا لأنه عقل ذلك مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمره خمس سنين، فدل ذلك على أن من حفظ شيئا ولو كان عمره صغيرا أنه تقبل روايته، وأنه يصح تحمله.
وكذلك أيضا الحسن بن علي -رضي الله عنه- روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات النبي -صلى الله عله سلم- وعمره سبع سنين ومع ذلك قد حفظ مثل حديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وحديث القنوت: اللهم اهدني فيمن هديت. ومع ذلك قبلت روايته؛ لأنه حدث بذلك بعدما عقل وبعدما أدرك وبلغ وكلف فقبلت روايته، فما تحمله الصغير وأداه وهو صغير قبل سن التكليف لا يوثق به، ولكن إذا حمله وهو صغير وأداه بعدما عقل وبلغ وكلف قبل منه، ومثله الشهادة إذا أدرك شيئا وهو صغير قبل التكليف ثم أدى الشهادة بعدما كلف قبلت شهادته وبطريق الأولى أن تقبل روايته.
كان كثير من العلماء إذا بلغ الطفل عندهم خمس سنين أحضروه مجالس العلماء، وأمروه بأن يكتب لهم سماعا أن يكتبوا له أنه حضر معهم وسمع فيقرءون مثلا في المجلس صحيح البخاري كله ثم يكتبون الذين سمعوه من أوله إلى آخره، قد يكون بعضهم ابن خمس سنين أو ست سنين يقولون: سمعه فلان وفلان وفلان حتى يعدوا الأطفال؛ لأنهم سوف يروونه بذلك الإسناد فيكتبون سماع الصغير إذا كان يعقل، أما إذا كان لا يعقل فإنهم لا يكتبونه كونه يعقل إذا كان يحفظ فهذا محمود بن الربيع حفظ وعمره خمس سنين.